المقالة 1: كيفية التحضير للدكتوراه-المقدمة
إن دراسة ونيل درجة الدكتوراه يُعَدُّ هدف للعديد من الطلاب السوريين حول العالم، وهي خطوةٌ مهمة لما لها من أثرٍ على معرفة الباحث وتطور المجتمع بشكلٍ عام والقطاعات المختلفة فيه، لكن دراسة الدكتوراه تتطلب بدايةً التأكد مما إذا كانت الدكتوراه هي الطريق المناسب لك. بالإضافة إلى أن التقديم على الدكتوراه يتطلب فهم العديد من الأمور منها معرفة كيفية كتابة البحث العلمي، وتوفر التمويل المناسب، وإيجاد المشرف الأفضل والجامعة المناسبة، وفهم مراحل التقديم. وهنا يأتي دور هذه المقالات لتساعد الطالب على فهم هذه التجربة والتجهيز لها. جديرٌ بالذكر أن هذه المقالات تُعَدُّ مادة مساعدة للحصول على مقعد لدراسة الدكتوراه ولكنها ليست كافية لتغطية جميع الجوانب، لأن الهدف من هذه المقالات تزويد الطالب بفكرةٍ سريعةٍ وعامةٍ عن دراسة الدكتوراه. كما أنه يستحيل الحصول على مقالةٍ تغطي جميع الجوانب، لتعدد أنواع الدكتوراه وأساليب القبول، لذلك ننصح بعد قراءة هذه المقالات بتعميق معرفتك من موقع الجامعة المرغوبة، وسؤال ذوو الخبرات السابقة من طلاب الدكتوراه أو الحاصلين عليها ضمن تخصصك أو مجالك العام.
a. الدافع للحصول على الدكتوراه:
لماذا نشجع على الدكتوراه؟ لابد أن الحصول على درجةٍ علميةٍ مرموقةٍ هو أمر يغري الكثير، وبالرغم من أن هذه المكانة الاجتماعية والعلمية هي محط نظر الغالبية ولكنها ليست الهدف الرئيسي على الإطلاق. نحن نؤمن بأن زيادة السوية العلمية ستنعكس إيجاباً على مجتمعنا من ناحية التطبيقات النظرية والعملية للعلوم والخبرات المكتسبة. ومن ناحيةٍ أخرى إن وجود وفرةٌ من خريجي الدكتوراه يؤمِّن مدرسين أَكْفاء لتدريس الأجيال القادمة في جامعاتنا، وتطوير القطاع التعليمي في سورية.
قبل اتخاذ قرارك بالسعي نحو الدكتوراه يجب عليك أن تسأل نفسك عن أهدافك المهنية وعن خطتك لتحقيقها. وكل هدف يحتاج لمهارات ومعرفة معينة، فهل سعيك نحو شهادة الدكتوراه والمهارات والمعرفة التي ستكتسبها بالدكتوراه تصبّ في هذا المسار، أم أنها مجرد ضغوطٍ اجتماعيةٍ وشخصيةٍ للحصول على مكانةٍ اجتماعيةٍ أو أكاديميةٍ؟ فما الذي ستحصل عليه في الدكتوراه؟ الدكتوراه هي مرحلة تعليمية تؤهلك لتصبح باحثاً مستقلاً. ستتعلم في الدكتوراه أن تضع سؤال بحثٍ وأن تسعى للإجابة عليه من خلال سلسلة من التحقيقات والمقارنات بالإضافة للتعامل مع المشاكل المعقدة عن طريق تحليلها وطرح حلول لمعالجتها أو الالتفاف عليها. على الرغم من أن الدكتوراه قد تكون ضمن كلية محددة، ولكن العلوم التي قد تتناولها ليست بالضرورة متعلقة بشكلٍ مباشرٍ بعلوم هذا الفرع، ويعمل الباحث لاكتساب علومٍ ومعارفٍ في مجالات أخرى، والتي تساعده في الإجابة على أسئلته البحثية. إحدى أهم مميزات وتحديات الدكتوراه هي الاستقلالية، فعلى الباحث أن يكون مُعتمد على نفسه في معظم الحالات والمواقف، ويسعى للمشورة والنصيحة من دكتوره المشرف الذي يُعَدُّ داعم له في مسيرته وليس مُسيِّر له. بالعودة لسؤالنا الأول فإن الدكتوراه تُعَدُّ مغريةً إذا كنت من مُحبِّي العلم ولا تفضل العمل الروتيني وتتوق لحل المشاكل وتُقَدِرُ الإنجازات الصغيرة باستمرار. بالمقابل هي مشوارٌ طويلٌ وتخصص في مشكلة ضيقة. وبنهاية المطاف ستحصل من خلال دراسة الدكتوراه على أمران رئيسيان، وهما مهارات البحث والتحليل وأيضاً معرفة عميقة بمجال ضيق جداً، وقد يكون اكتساب خبرات عملية من خلال بدء عملك الخاص أو العمل لصالح مؤسسة ما بدلاً من الدكتوراه ذات جدوى أعلى. لذلك عليك تقييم رغباتك وخططك جيداً والتأكد من أن الدكتوراه هي الطريق المناسب لتحقيق أهدافك.
-
- التمييز بين الفرص البحثية المصممة مسبقاً والمشاريع الخاصة:
إن كنت من الراغبين بالتقديم إلى الدكتوراه فعليك بداية التمييز بين نوعين أساسين: المشاريع البحثية المصممة مسبقاً (الفرص البحثية)، والمشاريع الخاصة. إذ أن كل طريق من هذان الطريقان له توجهاته ونصائحه الخاصة.
المشاريع البحثية المصممة مسبقاً هي عبارةٌ عن مشاريعٍ مصممةٍ من قبل الجامعة أو المركز البحثي التابع للجامعة، أو منظمة ما تنفَّذ الجامعة بحثاً لصالحها، وبالتالي تفاصيل المشروع كلها جاهزة تقريباً ومصممة مسبقاً (اسم البحث، ومنهج البحث، وعينة الدراسة، الخ). مثلاً جامعة ما قد تكون بصدد إجراء بحث لاكتشاف لقاح ما لمرض ما وتبحث عن أربعة باحثين للمساهمة بالبحث، وبالتالي دورك ضمن البحث يكون بتنفيذ المشروع وليس تصميمه. هذا النوع من الدكتوراه هو فرصة للعمل بمجال ما، فالتقديم على هذه الفرص يتطلب أن تمتلك سجل أكاديمي أو مهني (أبحاث سابقة، خبرات مهنية، الخ) لتكون الشخص المناسب لتنفيذ المشروع المصمم مسبقاً. ومثال آخر على ذلك، ربما يكون القسم أو الدكتور المشرف لديه اهتمام معين ويريدُ شخصاً لإجراء البحث تحت مظلة اهتماماته حيث يكون لديه فكرةً دقيقةً ومحددةً وبالتالي يكون كامل المقترح مكتوب من قبله، أو أن لديه اهتمام بعنوانٍ ما ويتيح للطالب تطوير أفكاره الخاصة، ويطلب منه إنجاز مقترح بحثي بعد حصوله على المقعد، وقضاء مدة زمنية ليتكمن من فهم المجال المحدد وتحديد عناوين يعتقد أنها تستحق منه البحث فيها. في حال كنتَ تقدم لفرص بحثية، ففي هذه الحالة اقرأ الإعلان جيداً واسأل نفسك عن رغبتك بالعمل على ما هو مذكور، اقرأ عن الموضوع وعاود قراءة الإعلان لتتمكن من معرفة تفاصيلٍ أخرى لم تلاحظها من قبل. في حال وجدت الفرصة البحثية فهذا يعني أنك وجدت الجامعة والمشرف والتمويل والتحدي أمامك هو بالتقديم على هذه الفرصة والمنافسة عليها وإثبات نفسك من خلال متطلبات التقديم (رسائل توصية، ورسالة الدافع، والمقابلة، الخ)
على عكس النوع الأول؛ فالنوع الثاني من الدكتوراه هو المشاريع الخاصة بك التي تصممها أنت من الصفر ابتداء من فكرة المشروع والمنهجية وكل شيء. ففي هذه الحالة أنت الذي لديك الفكرة، وبعد تصميمها الأولي تبحث عن مشرفٍ يهتم بها ويساعدك على تطويرها ويشرف عليك للبحث عنها. في حال كان لدى الطالب فكرة معينة يريد دراستها فعليه أن يفكر بثلاث أمورٍ رئيسية وهي الجامعة، والمشرف، والتمويل، والتي سنتطرق لهم جميعاً في المقالات اللاحقة.
الآفاق المستقبلية لدراسة الدكتوراه:
إن دراسة الدكتوراه تفتح لك الباب لعدة مجالات تبعاً لاختصاصك، ومن الصعب حصرها لكن فيما يلي أهمها:
1- الحقل الأكاديمي: قد تفتح لك دراسة الدكتوراه المجال لتصبح محاضراً في مجالك في الجامعة سواء التي درست فيها الدكتوراه أو جامعات أخرى.
2- الحقل البحثي: قد تفتح لك دراسة الدكتوراه المجال لتصبح باحثاً في مجالك ضمن مراكز أبحاث حكومية أو غير حكومية، حيث أن مهارة البحث ستكون المهارة الأقوى لديك عند الانتهاء من الدكتوراه.
3- الحقل العلمي: قد تفتح لك دراسة الدكتوراه المجال لتصبح عالماً في مختبراتٍ حكومية أو خاصة في حال كان مجالك ضمن العلوم التطبيقية.
4- الحقل الاستشاري: قد تفتح لك دراسة الدكتوراه المجال لتصبح مستشاراً في مجالك سواء لمنظماتٍ أو حكوماتٍ، لكن هذا الأمر يتطلب وجود أيضاً خبرة مهنية كبيرة وليس فقط أكاديمية،
5- الحقل التنموي: قد تفتح لك دراسة الدكتوراه المجال لتعمل في المنظمات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة خاصة في حال كان مجالك مرتبط بالعلوم التنموية.
6- القطاع الخاص: قد تفتح لك دراسة الدكتوراه المجال لتعمل في القطاع الخاص وخاصة في مجال العلوم التطبيقية.
ملاحظة: هنالك حالة ضياع لدى العديد من الطلاب لأنهم يدرسون الدكتوراه، وذلك للعمل لدى شركات خاصة. إن دراسة الدكتوراه قد تكون استثمار خاطئ وفي بعض الأحيان عائق أمام دخول القطاع الخاص، وذلك لأن القطاع الخاص (إلا إذا كانت الوظيفة ضمن القطاع الخاص في مجال البحث وتصميم الاستبيانات ووسائل جمع المعلومات) يتطلب خبرة مهنية أكثر بكثير من خبرةٍ بحثية وأكاديمية، خاصة بمجالات الإدارة، إذا كنت تريد مثلاً أن تصبح مدير موارد بشرية أو تسويق أو مالية، فالخبرة المهنية والخبرة بإدارة الفريق هي ما تؤهلك وتساعدك لتحقيق هذا الهدف وليس الدكتوراه، لكن طبعاً هنالك العديد من الشركات الخاصة التي تبحث عن طلبة دكتوراه خاصة في مجالات العلوم التطبيقية، فمثلاً شركات تصنيع الأدوية ترحب بشكلٍ كبيرٍ بخريجين الدكتوراه، لأن المهارات والمعرفة المكتسبة ضمن الدكتوراه هي نفسها المطلوبة للعمل ضمن هذه الشراكات.
b. أهمية رسالة التخرج أو الماجستير في التقدم للدكتوراه:
رغم أنها ليست شرطاً للتقديم على الدكتوراه في بعض الأحيان، لكن رسالة الماجستير تؤثر كثيراً على قبول الدكتوراه. هناك سببان رئيسيان للاهتمام بالرسائل البحثية السابقة. الأول أنها معيارٌ يظهر فيه قابليتك لتصبح باحثاً وهذا المعيار يُعَدُّ مؤشراً مهماً جداً، وقد يكون أقوى من معدلات تحصيلك العلمي. الثاني أنك خلال بحثك تبني جسور وعلاقات تجعلك محط ثقة من قبل المشرفين الذين سيسارعون لضمك لفرق بحثهم في حال امتلاكهم التمويل المناسب، أو أنهم سيبحثون لك من خلال معارفهم عن فرصٍ متاحةٍ، أو على أقل تقدير سيكونون سعيدين بمنحك توصيتهم بك والتي تُعَدُّ ذات أهمية عالية في التقديم (رسائل التوصية لا تمنح على المستوى الأكاديمي لمجرد معرفتهم بك، فالمشرفين لهم شهرتهم؛ ومنح توصية لأشخاص لا يستحقونها يطعن في مصداقيتهم).
في حال تقدمك للحصول على مقعد الدكتوراه في نفس الجامعة فإن مشرفين القسم قد يعرفونك مسبقاً لذلك لا تتوانى خلال بحثك أن تبني علاقات وطيدة معهم، وأن تظهر مهارات بحثية جيدة، كالتفكير النقدي والمقارنة مع الأبحاث السابقة، وطرح مقترحات وحلول. كما أن معظم الأقسام لديهم باحثين وطلاب من مختلف الخلفيات العلمية فاسعَ أن تأخذ المشورة من مختلف الأشخاص لتحسين جودة عملك، والانتباه إلى جوانب لم تتناولها، هذه الجوانب قد تكون أسئلة ضمن مقابلتك مع مشرفك أو الدكتور المشرف المحتمل (مقابلات متابعة تطورات البحث و/ أو مقابلة القبول للدكتوراه). في حال تقدمك لجامعة مختلفة عن التي درست فيها سابقاً تبقى هذه النصائح ذات قيمة عالية، فالمجتمع الأكاديمي ضيق والباحثين ضمن مجال معين لديهم علاقاتهم ممتدة عالمياً (غالباً ما يلتقي الباحثون في المؤتمرات العلمية ولديهم شراكات مع جامعات أخرى ويتابعون أخبار الجامعات الأخرى).
أهمية الخبرات المهنية السابقة:
إن قبولك كطالب دكتوراه يعتمد بشكلٍ أساسي على مهاراتك البحثية التي يمكن لك استعراضها من خلال المقالات المنشورة سابقاً، وأبحاث الإجازة والماجستير، ومقترح البحث، ورسالة التوصية، الخ. لكن أيضاً وجود خبرة سابقة بالمجال الذي تتقدم عليه قد يلعب دوراً إيجابي بعملية حصولك على مقعد الدكتوراه، لأنه ينبغي لك فهم الموضوع البحثي بناءً على خبرة أكاديمية ومهنية أيضاً، وبالتالي يزيد من فرص قبولك. وفي حال كانت الدكتوراه التي تتقدم عليها بمجال مختلف عن مجال دراستك السابقة، فإن الخبرة العملية ستلعب دور أكبر بحصولك على مقعد الدكتوراه وذلك لغياب المعرفة الأكاديمية لديك بحكم أنك تقدم على اختصاص مختلف عن اختصاصك الأكاديمي السابق.
إعداد: ودود تدبير – ملهم السليمان – ريم القيّم – عدي طوزان
تدقيق لغوي: رباب السمر، زاهر عبد الفتاح